لا حل في لبنان إلا باستعادة الدولة وتطبيق القرارات الأممية

نرمين مرعب – طامحون

لا يمكن قراءة المشهد اللبناني الراهن إلا من زاوية المواجهة بين نهجين متناقضين: نهج الدولة الساعية لبسط سيادتها على جميع مؤسساتها ومرافقها، ونهج “حزب الله” الذي لا يزال يتعامل مع لبنان كأداة لخدمة أجندات إقليمية متقلبة ومغامرة.

بيئة “حزب الله”، التي استندت لسنوات إلى خطاب “المقاومة”، تواجه اليوم أزمات خانقة، تبدأ من انهيار الاقتصاد اللبناني، ولا تنتهي عند الساحات الإقليمية التي يستخدمها الحزب لتمرير سياساته. من سوريا إلى اليمن، مروراً بما يسمى “وحدة الساحات” الفلسطينية، يبدو أن مغامرات الحزب تفقد تأثيرها تدريجياً في ظل تغيرات إقليمية ودولية متسارعة.

السؤال المطروح هنا: هل فقد الحزب بوصلته الاستراتيجية مع تراجع النفوذ الإيراني، أم أنه يستعد لردة فعل داخلية قد تشابه أحداث “7 أيار”؟

قبل أن تتمكن الدولة اللبنانية من مواجهة سلاح “حزب الله”، يجب عليها التصدي لما يسمى بـ”ودائع الحزب” في الداخل. هؤلاء الأشخاص، الذين يحتلون مواقع مؤثرة في السياسة، القضاء، الأجهزة الأمنية، والاقتصاد، يعملون على إدامة هيمنة الحزب داخل مؤسسات الدولة.

كيف يمكن للدولة أن تنتصر في معركة السيادة بينما تُستخدم مؤسساتها كأدوات لخدمة أجندات الحزب؟ هذه الشبكة الخفية، التي تشكل الحصن الداخلي لـ”حزب الله”، تعرقل أي محاولات لبناء دولة مؤسسات حقيقية.

الحزب، الذي طالما أظهر قوته، بات اليوم في موقف دفاعي. السؤال الأبرز هنا: هل سيقبل “حزب الله” بالقرارات الدولية، وعلى رأسها القرار 1701 الذي ينص على حصرية السلاح بيد الدولة، أم أن سلاحه سيبقى أداة تهديد للدولة والمجتمع؟

محاولات الدولة اللبنانية فرض سيطرتها، مثل قضية “الحقيبة الإيرانية” التي ضُبطت في مطار بيروت، تعكس إشارات على وجود نوايا لتحرير الدولة من قبضة الحزب. ولكن، هل هذه خطوة تكتيكية لتهدئة الضغوط الدولية أم بداية فعلية لبناء كيان سيادي؟

الراعي الأول لـ”حزب الله”، إيران، تعيش ضغوطاً متزايدة نتيجة تقليص نفوذها في سوريا بفعل التحركات الروسية-الإسرائيلية، واستنزافها في العراق واليمن. هذا التراجع يجعلها أقل قدرة على تقديم الدعم المالي واللوجستي للحزب كما في السابق.

في حال خسر “حزب الله” خطوط إمداده عبر سوريا، كيف يمكنه إعادة بناء نفسه في ظل هذا التحدي؟

مع تصاعد الخروقات الإسرائيلية المتكررة، يبرز التساؤل: هل تفضل إسرائيل استنزاف “حزب الله” عبر ضربات محدودة، أم أنها تستعد لحرب شاملة؟ وفي المقابل، كيف سيتعامل الحزب مع هذه الضغوط دون أن ينجر إلى مواجهة مدمرة تفقده شرعيته داخل بيئته؟

المشهد اللبناني ليس مجرد صراع على النفوذ، بل هو اختبار نهائي: هل تنجح الدولة اللبنانية في بناء نفسها ككيان سيادي حقيقي، أم أن “حزب الله” سيعيد البلاد إلى دوامة الفوضى؟

الرهان الآن على قدرة الدولة على استعادة دورها، وتطبيق القرارات الدولية بحزم، ووضع حد للسيطرة الموازية التي أضعفت لبنان ومؤسساته لعقود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى