حين تصبح النوادي الليلية حقاً شرعياً للأطفال!

نارمين مرعب

فيما تزداد المحاولات الغربية الدؤوبة لإعادة صياغة المفاهيم الأخلاقية والمجتمعية تحت شعارات برّاقة ومعسولة، نتفاجأ اليوم بمشروع ثقافي منحرف يدعى “Hotspot Night Club” المخصص للأطفال والمراهقين تحت سن 18 عاماً، حيث تُقدَّم فيه مشروبات “خالية من الكحول” ويروّج كمساحة “آمنة” للرقص والسهر. إنه تجسيد سافر لمحاولة أخرى لتغليف الانحدار الأخلاقي بطابع حداثي ليبرالي مزيّف.

قد تكون الفكرة صادمة، ولكن الأكثر إثارة للغضب هو ذلك التهليل الإعلامي الذي أحاط بهذا المشروع، وكأنه يُقدم حلاً جديداً للتربية الحديثة! هل بلغنا درجة من الضياع الثقافي بحيث نعتبر النوادي الليلية جزءاً من “الحقوق الترفيهية” للأطفال؟ أي تربية إيجابية هذه التي تسمح بنقل أطفالنا إلى فضاءات كانت يوماً ما حكراً على البالغين؟

في مقابلة مستفزة مع السيدة التي أسست هذا النادي، نُبشّر بأنّ هذا النادي يهدف لتوفير بيئة ترفيهية “آمنة” للأطفال والمراهقين. ويبدو أن كلمة “آمنة” أصبحت الكلمة السحرية التي تُستخدم لتبرير كل انحراف. نعم، قد يكون المكان خالياً من الكحول، لكن هل الكحول هو كل ما يهدد أطفالنا في هذه المرحلة الحساسة؟ ماذا عن الأجواء المحمومة، الموسيقى الصاخبة، والانفلات السلوكي الذي تفرضه تلك البيئة؟ هل نسينا أن النوادي الليلية بحد ذاتها تمثل رمزية اجتماعية وفضائية محملة بالتوترات والمفاهيم السلبية؟

يبدو أن في هذا الزمن العجيب، أصبح علينا أن نشكر الفاعلين في هذا المجال لأنهم “استثنوا” الكحول! ولكن، ماذا عن القيم؟ ماذا عن الأخلاق؟ وهل من المنطقي أن نعتبر غياب الكحول مبرراً كافياً لتشجيع المراهقين على ارتياد أماكن لم يُخلقوا ليكونوا جزءاً منها؟

كيف يمكننا أن نشرح هذه الموجة الانحطاطية لأطفالنا؟ “ماما، روح تسهر الليلة!” وكأننا نقول لهم أن الانغماس في نمط الحياة الليلية هو جزء طبيعي من تجربتهم العمرية. هل نتصور فعلاً أن السهر والرقص تحت الأضواء الخافتة هو ما يحتاجه المراهق لتكوين شخصيته؟ أين نحن من مفهوم التربية القائم على التوازن، الانضباط، والقيم الأخلاقية؟

الأطفال ليسوا مجرّد “Teenagers” كما يحب البعض أن يسميهم. إنهم في مرحلة تكوين أخلاقي وقيمي، وإن تعريضهم لهذه البيئة هو بمثابة خيانة للتربية والتنشئة السليمة. إن تشويه المفاهيم التقليدية الراسخة عبر محاولات الحداثة الفارغة هو الخطر الحقيقي الذي يتهدد مستقبلنا.

وكالعادة، نرى كيف يتلاعب أصحاب هذه المشاريع بالمصطلحات لترويج أفكارهم المنحرفة. كلمات مثل “المساواة”، “الجندر”، “النوع الاجتماعي”، والتي يتم تغليفها بإطار ثقافي جذاب، هي في الحقيقة معاول تهدم أسس مجتمعاتنا. لقد باتت تلك المصطلحات أداة فعالة تستخدمها جهات مانحة تحت راية الحداثة لإعادة تشكيل مجتمعاتنا وفقاً لرؤى مشوهة.

هذه ليست مجرد كلمات. إنها حرب ثقافية تقودها منظمات NGOs تحت ستار حقوق الإنسان والحرية الفردية. ولكن الحقيقة المرة هي أن تلك المصطلحات تسعى لإلغاء القيم والمبادئ التي تشكل هويتنا الثقافية. هل نسمح بأن تُستباح تربية أطفالنا باسم “الحقوق الترفيهية” و”التجارب الاجتماعية”؟

من أخطر ما يهدد هذا الجيل هو تسليمهم للنار والبنزين في وقت واحد. المرحلة العمرية بين 12 و18 عاماً هي أخطر مراحل التكوين النفسي والاجتماعي. تقديم النوادي الليلية كبيئة “آمنة” لهم ليس إلا دعوة مباشرة للانحراف والتفكك. أطفال هذا الجيل محاصرون بالفعل بوسائل التواصل الاجتماعي، الإنترنت، والتكنولوجيا التي تقدم لهم كل ما هو مغري وسهل الوصول. والآن، نضيف إليهم البيئة المثالية للسهر والتسكع، ولكن هذه المرة “بلا كحول”! يا للعبقرية.

إذا كنا نعتقد أن السماح لهم بالدخول إلى هذا العالم سيؤدي إلى نضجهم، فنحن على وشك خسارة جيل كامل. إنها قنبلة موقوتة تنتظر الانفجار، ولا عجب إذا وجدنا أنفسنا أمام جيل متمرد، فاقد للبوصلة الأخلاقية، وغير قادر على التعامل مع مسؤوليات الحياة.

 

في النهاية، المسألة ليست مجرد نادٍ ليلي للأطفال، إنها أزمة أخلاقية وتربوية شاملة. هل نحن مستعدون لتقبل هذا الانحدار بحجة الانفتاح والتحضر؟ هل نحن على استعداد للتخلي عن مسؤولياتنا الأخلاقية والتربوية باسم الحداثة؟

إنّ التربية السليمة تقوم على بناء القيم وتعزيز الاستقرار النفسي والاجتماعي. وفي الوقت الذي نسمح فيه لمثل هذه الأفكار بالتسلل إلى حياتنا اليومية، نحن نسهم بشكل مباشر في تدمير مستقبل أطفالنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى