
عمر عثمان سلوم – طامحون
أذكر سماحة المفتي الراحل الشيخ خليل الميس رحمه الله كم كان حريصًا على تعليمنا وإعلامنا بأعلام الموقعين عن رب العالمين، وحرصه على كل طالب علم أن يكتنز من فيض هذا الكتاب الثمين.
فأعلام الموقعين عن رب العالمين هو كتاب ألفه ابن قيم الجوزية، الذي جمع فيه بين الفقه وأصوله ومقاصد الشريعة وتاريخ التشريع والسياسة الشرعية، مستعينًا بأول ما أُخذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمَّن انتشر عنهم الفقه والدين، وقد قيل إنه لا يُعرف كتاب في حكمة التشريع مثل هذا الكتاب. فالأعلام معالم الاجتهاد والإفتاء، والموقعون عن رب العالمين، هم المفتون والفقهاء والقضاة.
وكأني بحرص سماحته رحمه الله على الإعلام بالأعلام لسد ذرائع الموقعين عن رب العالمين أن لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وأن لا تكون الضرورات مجرد مصلحة شخصية أو مادة إعلامية للظهور والتسيّد والمحاباة، فالموقعون عن رب العالمين لا يعرفون ولا يعملون الا لمصلحة الأمة، ويُرجعون كل الإبل التي كانت لعبد الله بن عمر لخزانة الدولة، حتى هدية وجائزة «الدبس» رُدت الى أزهر البقاع، وهذه بعض مقاصد الشريعة من الموقعين.
أما الفايروس الاقسى الذي يضرب بالموقعين وتلامذتهم، وهي للأسف آفة تُفسد الملح وتُفسد التقدم، وقد قاربها أحد الأصدقاء بمقالة بديعة، خرج في مُحصلتها بالخلاصة الآتية: إن المصدر الرئيسي لجميع مشاكل منطقتنا هو «الحسد». ويشير إلى أن جميع العلماء والسياسيين والمثقفين والتجّار والأساتذة والموظفين، وحتى الناس العاديين، يعانون من هذه الآفة.
ليسترسل كاتبنا ويقول: نجد في منطقتنا أن الناس أصبحوا عبيدًا لجشعهم ومصالحهم، وهم يبنون حياتهم على قمع الآخرين، مؤكدًا أن جذور الحسد تكمن في القصور وعدم الكفاءة، وأن الأشخاص الذين لا يستطيعون تحمل نجاح الآخرين، يحاولون سحبهم للأسفل، للتغطية على نقصهم وعدم كفاءتهم.
هذا الوضع يُضعف الثقة والتعاون في المجتمع، ويقلل من قدرة الأفراد على العمل الجماعي، وعلى تحقيق الأهداف المشتركة. وللحد من تأثيرات الحسد في المجتمع، يجب التركيز على التعليم وزيادة الوعي، ويتعيّن على المجتمعات خلق بيئة تسمح للأفراد باكتشاف وتطوير إمكانياتهم وقدراتهم، وبهذه الطريقة يُمكن للأفراد التركيز على نجاحاتهم وأعمالهم وجهودهم، بدلاً من مقارنة أنفسهم بالآخرين، فالحسد هو أصل الداء، وهو السبب المباشر للاضمحلال والتصحر الذي وصلنا إليه.
أن نكون ضنينين بالأعلام الموقعين عن الله، وطامحون لتقويم اعوجاجهم ولو بحد أقلامنا، وأن تكون يا سماحة المفتي مُعلمًا لنا، وأساسًا نستند إليه لننطلق نحو الغد والمستقبل، عندها نكون عيال الله وأنفعنا لعياله، وحينها نصير خير خلف لخير سلف.
للانضمام إلى مجموعاتنا عبر الواتساب اضغط هنا