أبواب النظام اللبناني لا تُفتح بالكسر والخلع

قاسم يوسف

ضجيج جبران باسيل كان يشي بمذبحة وشيكة. كنا ندرك أن الانفجار قاب قوسين أو أدنى، وأن أسبابه الموجبة باتت حاضرة على نحو مستفز وموصوف. لكننا، ولكثرة الجبهات المشتعلة، لم نعد ندرك حقيقة ما يريده الرجل. هل هو سعي دائم لسرقة الضوء؟ أو محاولة مستمرة للبحث عن شرعية مفقودة؟ أم أنها مزيج من هذا وذاك؟

يفتقد جبران باسيل إلى الشرعية التي تخوّله الدخول على خط المنافسة أو الحسم في موازة الكبار، وهو إذ يحمل في الأساس فجوة شخصية ترتبط بالمصاهرة مع ميشال عون، فإنه يفتقد أيضًا إلى سلسلة من الشرعيات التي شكلت المدماك الأساس لصعود الحالة العونية ورئيسها، والتي بدأت بتوليه قيادة الجيش، مع ما يعنيه هذا الموقع في المضامين السياسية والاجتماعية، ثم مع حرب التحرير بوجه حافظ الأسد، وصولاً إلى تراجيدية الهزيمة والنفي. وهذه كلها عواملٌ ساهمت في صناعة صورة ميشال عون وترسيخ شرعيته وحضوره لدى الكثرة الكاثرة من شرائح المجتمع المسيحي والوطني.

عقب ترسيخ شخصيته الفاقعة كواحدة من أكثر الشخصيات المثيرة للجدل والاستفزاز، أراد جبران باسيل أن يستعير من تجربة أسلافه الغلاة تلك الزاوية المخصصة لصناعة الذات، أي أن ينفصل أولاً عن صورته المعممة باعتباره طارئًا أو وريثًا أو امتدادًا، ثم أن يمد صورته الجديدة بوافر الإثارة والضجيج، تمهيدًا لترسيخ شرعية مشتهاة، حيث كان لا بد لكل ذلك أن يبدأ بالكسر والخلع، وبالنبش الممنهج للقبور والتاريخ.

مشكلة جبران باسيل أنه يعيش اليوم سباقًا محمومًا وداهمًا بين شغور الكرسي الأول على نحو طبيعي أو مباغت، وبين وجوب الحصول على شرعية تؤهله لملأ الفراغ، وهذا بحد ذاته ما يدفعه إلى ملامسة أكثر الملفات حساسية وخطورة على الإطلاق، انطلاقًا من تفعيل الصراع بين الموارنة، مرورًا بتسعير الاشتباك مع السنيّة العميقة، وصولاً إلى الارتطام العامودي بالدروز، مع ما يعنيه كل هذا من استعادة فظيعة لأحد أبرز وجوه الحرب، وإحدى أخطر مسببات العصبية والكراهية والاقتتال.

لامست خطة جبران باسيل في الأسبوع الماضي جدارن المذبحة، وأعادت فتح جرح عميق وكبير في الجبل بعد مصالحة تاريخية، وهو إذ تعاطى مع العاصفة الأليمة باعتبارها وجهًا من وجوه نجاحه وتفوقه، استكملها بإهانة موصوفة وصفعة مدوية لرئاسة مجلس الوزراء، حيث قرر أن يُطيّر جلسة الحكومة بعد ساعات من الانتظار، وأن يظهر بصورة العرّاب الذي يُحرّك كل شيء.

يمارس جبران باسيل السياسة نفسها من بشرّي إلى عاليه، ومن طرابلس إلى الجنوب، وهو يريد بذلك أن يصير رقمًا صعبًا في المعادلة اللبنانية، لكن فاته أن أبواب النظام لا تُفتح بالكسر والخلع، على ما ذهب نهاد المشنوق مخاطبًا ميشال عون في ذكرى وسام الحسن عام ٢٠١٥، وفاته أن العبور إلى قصر بعبدا لا يكون بالاستفزاز والدوس فوق الجثث والكرامات، بل بالحوار والانفتاح والتفاهمات، وفاته أن راية حزب الله لن ترفرف فوق الرئاسة المقبلة في بعبدا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى